تجربة التحول في ضيافة الرواية "رواء مكة " أنموذجا
«في مكان ما من ذلك الدير كتبت هذه المقولة
التي لم تفارقني قط: لا ترحل
عن هذا المكان إلى أن تتحول»
حسن أوريد
يجب
بداية أن نسلم بأن تجربة التحول ،وإن لم تكن وقفا على المتصوفة دون غيرهم،قد
اكتسبت وضوحها، وعنيت بالدراسة اللازمة ضمن مساق "ملامح التصوف والتجربة
الصوفية " ؛أي بوصفها جزء أساسا ومؤسسا، لهذا الكل المتسق في مقام أول-أقله
من الناحية الشكلية (مجموع النظريات ،التي اختطها الرواد وتناولها القراء
شرحا وتنظيما وتأويلا)-و الكوني في مقام
ثان.
تسليم من شأنه أن يخدم :
أولا-فكرة الضيافة، بحيث تكون هذه التجربة
أصيلة في التصوف، واعتبارية\ طارئة في الرواية والصنوف الأدبية الأخرى والخبرة
الحياتية كلية.
وثانيا-فكرة الانتقال التي تتمخض عن
الضيافة،والتي تعتبر مشتركا من ناحية، ومبدأ من ناحية أخرى (بالنسبة إلى أطراف هذه
التدوينة).
بعد
هذا الاتفاق الأولي،دعونا نشير بتبسيط مخل،إلى ماهية هذه التجربة(تجربة
التحول)،ونقول بما استطعنا إلى ذلك من إيجاز ، أنها إنتقال بين ثنائيات لا وسط ولا
توسط بينها، باستبدال الذي هو خير بالذي هو أدنى عبر مجاهدة و معاناة تستدعي الصبر
و الجلد، فينتقل المريد،بمقتضاها من تهتك إلى تنسك، ومن تخل إلى تجل ،ومن فقد إلى
وجد والأمثلة على ذلك، كثيرة. ودعونا نتذكر جميعا ذلك المثل الذي يضرب في هكذا
حالة عن تلك الدودة التي تقبر نفسها في شرنقة فتستحيل بعد ذلك فراشة زاهية
ألوانها. وحسبنا إياه مثلا للتدليل على عمق التحول ومنحاه.
يتحدث "حسن أوريد" ،في متون راويته
«رواء مكة» ،وهي بالمناسبة سيرة روائية ذاتية لشخصه،عن تحول تشرب به معاني الإسلام
دقيقها وجليلها.والتي مرت بالضرورة عبر رحلة/انتقال في الذات والمكان، تحول أنسن
فيه النوازع التي توزعته (الإنتماء الأمازيغي ،القومية العربية ، الكتابات
العبثية...، وفوقها الهوى)،ليمكن القارئ من تمثل الحرب الضروس التي يخوضها مع نفسه
، وحاله في ذلك كالمتصوف المقدم على مجاهدتها.
الرجل كان في حداثة سنه ،على غرار سكان
الجنوب،من أهل الله؛ملتزما، صارفا نفسه إلى الذكر وحفظ كتاب الله،قبل أن يستبد به
الشك (الإمام الغزالي هو الأخر، شك)،فتحول عن الدين و نأى عن صدق الايمان،وقذف به
في حياة الخمر والعربدة؛ فحصل أن حج على مضض ، فكتبت له عودة إلى أحضان الدين
الإسلامي ،والجديد هذه المرة بالإضافة إلى الفهم والاستعاب هو اليقين.
و نلاحظ أن هذه الرحلة تتيح إمكانية التعبير عنها بكونها أولا"من شك إلى يقين" لتكون مصدقا لتجربة التحول (من التهتك إلى التنسك) ، وثانيا"من الدين إلى الدين" ( حيث بدء متدينا وانتهى متدينا) لتماثل «حالة الفناء»(من صحو إلى سكر ثم صحو).
انتمائنا إلى هذا العالم، إلى معرض التغيير كما إرتأ له أفلاطون و من قبله
هيراقليطس ، يجعل قدرنا مختزلا في التحول، حيث لا أحد يبدأ متحولا ، كلنا ننخرط في
هذه التجربة بعديا، بحيث لا يستنى منها
فرد ولو سهوا ،لا يهمنا منحى هذا التحول
،ولا فرق إن كان مقدما أو مرجأ، مادام قدرا ننتهي إليه ،وسؤالا ننخرط فيه، قاصينا
و دانينا ، ولمن لم يتحول في دنياه ، أليس
الموت بتحول ؟
تعليقات
إرسال تعليق